
هل استشعر قلبك محبة الله؟
إن الإنسان بجبلَّتِه يحب نفسَه وبقاءه وكماله، ويحب بطبعه مَن أحسن إليه، وهذا يقتضي غاية المحبة لله - عز وجل - إذ كيف يتصور أن يحب الإنسانُ نفسه ولا يحب ربَّه الذي به قوام نفسه، ومنه وجوده، ودوامه، وكماله؟!
ثم كيف يتصور أن يحب الإنسان مَن أحسن إليه من الناس، ولا يحب مَن أنواعُ إحسانه لا يحيط بها حصر؟! قال - تعالى -: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53].
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "بيان ذلك: أنَّا نفرض أن شخصًا أنعم عليكَ بجميع خزائنه وما يملك، ومكَّنكَ فيها لتتصرَّف كيف شئتَ، فإنك تظن أن هذا الإحسان منه، وهو غلط، فإنه إنما تم إحسانه بماله، وبقدرته على المال، وبداعيته الباعثة له على صرف المال، فمَن الذي أنعم بخلقه، وخلق ماله، وخلق إرادته وداعيته؟! ومَن الذي حبَّبك إليه، وصرف وجهَه إليك، وألقى في نفسه أن صلاح دينه ودنياه في الإحسان إليك، ولولا ذلك ما أعطاك؟! فكأنه صار مقهورًا في التسليم لا يستطيع مخالفته، فالمحسن هو الذي اضطره وسخَّره لك".
إذا هل استشعر قلبُك حبَّ الله؟!
إن حب الله لا يقوى في القلب إلا بتفريغ القلب مما سوى الله، وبقطع علائق الدنيا والمخلوقين؛ إذ كيف يقوى حبُّك لله وقلبُك معلَّق بالدنيا وما فيها، أو معلق بخلق من خلقه؟ وكيف يستوي حب الله في قلبك مع حب المخلوقين؟! فأنت إن دعوتَ الله لبَّاك، وإن طلبتَ منه أعطاك، وابنُ آدم إن طلبتَ منه شيئًا غضب وما عاد يريك وجهه، وتولى عنك كأنه لا يعرفك! فالله هو الكريم، وهو المعطي، وهو الرحيم؛ بل كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((لَلَّهُ أرحمُ بعباده من هذه بولدها))؛ (صحيح، البخاري)..
اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا لحبك.