
منظومة الالبيري
تَـفُـتُّ فـؤادكَ الأيـامُ فَتَّا ** ** وتَنْحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
وتَدْعُوكَ المنونُ دُعاءَ صِدقٍ ** ** ألا يا صاحِ : أنتَ أريدُ ، أنتا
أراكَ تُـحِبُ عِرساً ذات غَدرٍ ** ** أبـتَّ طَـلاقـها الأكياسُ بَتَّا
تـنامُ الدهرَ ويحكَ في غطيطٍ ** ** بِـهـا حَـتى إذا مِتَّ انتبهتا
فـكـم ذا أنتَ مَخدوعٌ وحتى ** ** مَـتى لا ترعوِي عَنها وحَتى
أبـا بـكـرٍ دَعَوْتُكَ لو أَجَبتا ** ** إلـى مـا فيه حَظُّكَ إن عَقَلْتا
إلـى عـلـمٍ تكونُ به إماماً ** ** مُـطاعاً إن نَهَيتَ وإنْ أَمَرْتَا
وتـجلو ما بعينك مِنْ عَشَاها ** ** وتَـهْـديكَ السبيلَ إذا ضَلَلْتَا
وتَـحملُ مِنهُ في نادِيكَ تاجاً ** ** ويـكسوكَ الجمالَ إذا اغتربتا
يَـنَـالُـكَ نَفعُهُ ما دُمْتَ حَيا ** ** ويَـبـقى ذُخْرُهُ لكَ إنْ ذَهَبتا
هُوَ العَضْبُ المُهنَّدُ ليسَ يَنبُو ** ** تُـصِيبُ بِهِ مَقاتلَ مَنْ ضَربتا
وكَـنـزٌ لا تخافُ عليهِ لِصاً ** ** خَفيفُ الحملِ يُوجدُ حيثُ كنتا
يَـزيـدُ بِـكَثرَةِ الإنفاق منهُ ** ** ويـنـقـصُ أن بهِ كفاً شَدَدْتا
فـلو قد ذُقْتَ من حلواه طَعماً ** ** لآثَـرْتَ الـتـعلُّمَ واجتهدتا
ولـمْ يَشغلكَ عنهُ هَوىً مُطاعٌ ** ** ولا دُنـيـا بِـزُخْـرُفِها فُتِنتا
ولا ألـهاكَ عنهُ أنيقُ رَوْضٍ ** ** ولا خِـدْرٌ بِـرَبْـرَبِـهِ كَلِفتا
فَـقوتُ الروحِ أرواحُ المعاني ** ** وليس بأنْ طَعِمتَ وأن شَرِبْتا
فـواظِـبـهُ وخـذ بالجدِّ فيهِ ** ** فـإنْ أعـطـاكَـهُ اللهُ أخذْتا
وإنْ أُوتـيـتَ فِيهِ طَويلَ باعٍ ** ** وقـال الـناسُ إنَّكَ قد سبقتا
فـلا تـأمـنْ سُؤالَ اللهِ عنهُ ** ** بتوبيخٍ : عَلِمتَ فهل عَمِلْتا ؟
فـرأسُ الـعِلمِ تَقوى اللهِ حقاً ** ** ولـيس بأن يُقال : لقد رأستا
وَضافي ثوبِكَ الإحسانُ لا أنْ ** ** تُـرى ثَوبَ الإساءةِ قد لَبِستا
إذا مـا لـم يُفِدْكَ العِلمُ خيراً ** ** فـخـيرٌ منهُ أن لو قد جَهِلتا
وإنْ ألـقَـاكَ فَهْمُكَ في مهاوٍ ** ** فـلـيـتكَ ثُمَّ ليتكَ ما فَهِمتا
ستجني من ثمار العجزِ جَهلاً ** ** وتَصْغُرُ في العيونِ إذا كَبِرتا
وتُـفـقَدُ إن جهِلتَ وأنتَ باقٍ ** ** وتُـوجَدُ إن عَلِمْتَ وقدْ فُقِدتا
وتَـذكـرُ قَولتي لكَ بعدَ حِينٍ ** ** وتَـغـبِـطها إذا عَنها شُغِلتا
لَـسوفَ تَعَضُّ من نَدَمٍ عليها ** ** ومـا تـغني الندامةُ إن نَدِمتا
إذا أبصرتَ صَحْبَكَ في سماءٍ ** ** قـد ارتفعوا عليك وقد سَفَلْتَا
فَـراجِعها ودَعْ عنك الهوينى ** ** فَـما بالبُطـءِ تُدرِكُ ما طَلَبتا
ولا تـحـفلْ بمالِكَ والهُ عنهُ ** ** فـلـيـسَ المالُ إلاّ ما عَلِمتا
وليسَ لِجاهلٍ في الناس مَعنىً ** ** ولـو مُـلكُ العراقِ لهُ تأّتَّى
سـينطقُ عنكَ عِلمكَ في نديٍ ** ** ويُـكتبُ عَنكَ يوما إنْ كتبتا
ومـا يُـغنيكَ تشييدُ المباني ** ** إذا بـالـجهل نَفْسَكَ قد هَدَمْتا
جَعَلْتَ المالَ فوقَ العِلمِ جهلاً ** ** لَـعَمْرُكَ في القضيةِ ما عَدَلْتَا
وبـيـنهما بِنَصِّ الوَحيِ بونٌ ** ** سَـتَـعلمُهُ إذا ( طه ) قَرأتا
لـئـن رفعَ الغنيُّ لواءَ مالٍ ** ** لأنـت لـواء عِلْمِكَ قد رفعتا
وإن جلسَ الغنيُّ على الحشايا ** ** لأنتَ على الكواكب قد جلستا
وإن ركـبَ الجِيادَ مُسَوَّماتٍ ** ** لأنـت مـناهِجَ التقوى ركبتا
وَمَـهما افتضَّ أبكار الغواني ** ** فكمْ بِكْرٍ منَ الِحكم افْتَضَضْتَا
ولـيـسَ يضرُّكَ الإقتارُ شيئاً ** ** إذا مـا أنـتَ ربَّكَ قدْ عَرَفْتَا
فـمـاذا عِندهُ لكَ مِنْ جميلٍ ** ** إذا بِـفِـنـاءِ طـاعَتِه أنختا
فقابلْ بالقبولِ صَحيْحَ نُصحي ** ** فإن أعرضتَ عنه فقد خَسِرتا
وإن راعـيـتَـهُ قولاً وفِعلاً ** ** وتـاجـرْتَ الإلـه بهِ رَبِحْتَا
فـلـيـستْ هذِهِ الدنيا بِشيءٍ ** ** تَـسُـوؤكَ حِـقْبَةً وتَسُرُّ وَقتا
وغـايَـتُـها إذا فكَّرْتَ فيها ** ** كَـفَيئِكَ أو كَحُلْمِكَ إن حَلَمْتا
سُـجِنْتَ بِها وأنتَ لها مُحِبٌ ** ** فـكـيفَ تُحِبُّ ما فيه سُجِنتا
وتُطعِمُكَ الطَّعامَ وعن قريبٍ ** ** سـتَطْعَمُ منك ما مِنها طَعِمْتا
وتَـعـرى إنْ لبِستَ لها ثِياباً ** ** وتُـكـسى إنْ ملابسها خَلَعْتا
وتـشـهـدُ كلَّ يومٍ دفنَ خِلٍ ** ** كـأنـكَ لا تُـراد بِما شَهِدتا
ولـمْ تُـخْلَق لِتَعْمُرَها ولكن ** ** لِـتَـعْـبُـرها فَجِدَّ لِما خُلِقتا
ولا تحزن على ما فات منها ** ** إذا مـا أنت في أُخراكَ فُزتا
فـلـيـس بنافعٍ ما نِلتَ فيها ** ** مِنَ الفاني ، إذا الباقي حُرِمتا
ولا تضحك مع السفهاءِ لَهواً ** ** فإنكَ سوفَ تبكي إن ضَحِكتا
وكيفَ لك السُّرورُ وأنتَ رَهْنٌ ** ** ولا تَـدري أَتُـفْدى أم غَلِقْتا
وسَـلْ من ربك التوفيق فيها ** ** وأخلصْ في السؤالِ إذا سألتا
ونـادِ إذا سـجدتَ لهُ اعترافاً ** ** بـمـا ناداهُ ذو النُّون بنُ مَتّى
ولازِم بـابَـهُ قـرعـاً عَسَاهُ ** ** سـيـفـتحُ بابَهُ لكَ إن قَرَعتا
وأَكْـثِرْ ذكرَهُ في الأرضِ دَأباً ** ** لِـتُـذْكَرَ في السماءِ إذا ذَكَرتا
ولا تـقـل الـصِّبا فيه مجالٌ ** ** وفـكـرْ كـمْ صغيرٍ قد دفنتا
وقُـلْ لي يا نَصيحُ لأنت أولى ** ** بِـنُصْحِكَ لو بِعقلكَ قد نَظَرتا
تُـقـطعني على التفريط لَوْماً ** ** وبـالـتفريط دهركَ قد قطعتا
وفـي صِغري تُخَوِّفني المنايا ** ** ومـا تجري بِبالك حين شِختا
وكـنتَ مع الصِّبا أهدى سبيلاً ** ** فـمـا لك بعدَ شيبكَ قد نُكِستا
وها أنا لم أخُضْ بحرَ الخطايا ** ** كـمـا قد خُضتَهُ حتى غَرِقتا
ولـم أشـربْ حُـمَـيا أم دَفرٍ ** ** وأنـت شـربتها حتى سَكِرتا
ولـم أحـلـلْ بـوادٍ فيه ظُلمٌ ** ** وأنـت حـلـلتَ فيه وانهملتا
ولـم أنـشـأْ بِعَصْرٍ فيه نَفعٌ ** ** وأنـتَ نـشأتَ فيه وما انتفعتا
وقـد صـاحبتَ أعلاماً كِباراً ** ** ولـم أرك اقتديت بمن صَحِبتا
ونـاداك الـكِـتابُ فلم تُجِبهُ ** ** ونـهْـنهَكَ المشيبُ فما انتبهتا
لَـيَـقبحُ بالفتى فِعل التصابي ** ** وأقـبـحُ مـنهُ شيخٌ قد تفتى
فـأنـت أحـقُّ بـالتفنيد مِني ** ** ولـو سكتَ المسيءُ لما نطقتا
ونَـفـسَـكَ ذُمّ لا تذممْ سِواها ** ** بِـعـيبٍ فهي أجدرُ مَنْ ذَممتا
فـلـو بكت الدِّما عيناك خوفاً ** ** لِـذنـبـكَ لم أقلْ لك قد أمِنتا
ومَـنْ لـكَ بالأمانِ وأنت عَبدٌ ** ** أُمِـرتَ فما ائتمرت ولا أطعتا
ثَقُلتَ من الذنوبِ ولست تَخشى ** ** لِـجـهلكَ أن تَخِفَّ إذا وُزِنتا
وتُشفقُ للمُصرِ على المعاصي ** ** وتَـرحَمُهُ ، ونفسكَ ما رحمتا
رجعتَ القهقرى وخَبطتَ عشوا ** ** لعمركَ لو وصلتَ لما رَجعتا !
ولـو وافـيتَ ربكَ دون ذنبٍ ** ** ونـاقـشكَ الحِسابَ إذا هَلِكتا
ولـم يـظلمك في عملٍ ولكن ** ** عـسـيـرٌ أن تقوم بما حملتا
ولو قد جئتَ يومَ الفَصْلِ فرداً ** ** وأبـصـرتَ المنازلَ فيه شتى
لأعْـظـمـتَ الندامةَ فيه لهفاً ** ** عـلى ما في حياتك قد أضعتا
تَـفِـرُّ مـن الـهجيرِ وتتقيه ** ** فـهـلاَّ عن جهنم قد فررتا ؟
ولـسـت تطيق أهونها عذاباً ** ** ولـو كـنـتَ الحديد بها لذُبتا
فـلا تـكـذبْ فإن الأمر جِدُّ ** ** ولـيس كما احتسبتَ ولا ظننتا
أبـا بـكـرٍ كشفت أقل عيبي ** ** وأكـثـرهُ ومُـعـظمهُ سَترتا
فقل ما شئت فيِّ من المخازي ** ** وضـاعِـفـها فإنك قد صَدقتا
ومـهـما عِبتني فلِفرْطِ عِلمي ** ** بـبـاطـنـتي كأنك قد مدحتا
فـلا ترضَ المعايبِ فهي عارٌ ** ** عـظـيمٌ يورثُ الإنسان مقتا
وتـهـوي بالوجيه مِن الثريا ** ** وتُـبْـدِلُـهُ مكان الفوق تحتا
كـما الطاعات تنعلك الدراري ** ** وتـجـعلك القريبَ وإن بَعُدتا
وتـنشر عنك في الدنيا جميلاً ** ** فـتُـلـفى البَرَّ فيها حيثُ كُنتا
وتـمـشي في مناكبها كريماً ** ** وتـجني الحمد مما قد غَرستا
وأنـتَ الآن لـم تُعرف بِعابٍ ** ** ولا دنـسـتَ ثـوبكَ مُذْ نَشأتا
ولا سـابـقتَ في ميدان زورٍ ** ** ولا أوضـعْـتَ فيهِ ولا خببتا
فـإن لـم تَـنأ عَنْهُ نَشِبْتَ فيه ** ** ومـن لك بالخلاص إذا نَشِبتا
ودَنَّـسَ مـا تَطهر منك حتى ** ** كـأنـك قـبل ذلك ما طهرتا
وصـرت أسيرَ ذَنْبِكَ في وَثاقٍ ** ** وكـيفَ لك الفكَاك وقد أُسِرتا
وخفْ أبناء جِنسكَ واخشَ منهم ** ** كما تخشى الضراغِمَ والسَّبتنى
وخـالـطـهم وزايلهم حِذاراً ** ** وكـنْ كـالـسامري إذا لَمستا
وإن جَـهِلوا عليك فقل سلاماً ** ** لـعـلك سوف تسلم إن فعَلتا
ومَـنْ لك بالسلامةِ في زمانٍ ** ** يـنـالُ العُصْمَ إلا إن عُصِمتا
ولا تـلـبـثْ بحيٍّ فيه ضَيْمٌ ** ** يُـمـيـتُ القلبَ إلا إن كُبِلتا
وغَـرِّبْ فـالـغريبُ له نَفاقٌ ** ** وشـرِّقْ إن بِـرِيقكَ قد شرقتا
ولـو فـوقَ الأميرِ تَكُونُ فِيها ** ** سُـمُـواً وافـتخاراً كنت أنتا
وإن فـرقـتها وخرجتَ مِنها ** ** إلـى دار الـسـلام فقد سَلِمتا
وإن كـرَّمـتها ونظرتَ منها ** ** بـإجـلالٍ فـنـفسكَ قد أهنتا
جـمعت لك النصائحَ فامتثلها ** ** حياتك ؛ فهي أفضل ما امتثلتا
وطـولـتُ العتابَ وزِدتُ فيهِ ** ** لأنـك فـي الـبطالةِ قد أطلتا
فـلا تأخذ بتقصيري وسَهوي ** ** وخـذْ بوصيتي لك إن رَشَدتا
وقـد أردَفـتـهـا ستاً حِساناً ** ** وكـانـت قـبلُ ذا مِئةٍ وستا
تَـفُـتُّ فـؤادكَ الأيـامُ فَتَّا ** ** وتَنْحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
وتَدْعُوكَ المنونُ دُعاءَ صِدقٍ ** ** ألا يا صاحِ : أنتَ أريدُ ، أنتا
أراكَ تُـحِبُ عِرساً ذات غَدرٍ ** ** أبـتَّ طَـلاقـها الأكياسُ بَتَّا
تـنامُ الدهرَ ويحكَ في غطيطٍ ** ** بِـهـا حَـتى إذا مِتَّ انتبهتا
فـكـم ذا أنتَ مَخدوعٌ وحتى ** ** مَـتى لا ترعوِي عَنها وحَتى
أبـا بـكـرٍ دَعَوْتُكَ لو أَجَبتا ** ** إلـى مـا فيه حَظُّكَ إن عَقَلْتا
إلـى عـلـمٍ تكونُ به إماماً ** ** مُـطاعاً إن نَهَيتَ وإنْ أَمَرْتَا
وتـجلو ما بعينك مِنْ عَشَاها ** ** وتَـهْـديكَ السبيلَ إذا ضَلَلْتَا
وتَـحملُ مِنهُ في نادِيكَ تاجاً ** ** ويـكسوكَ الجمالَ إذا اغتربتا
يَـنَـالُـكَ نَفعُهُ ما دُمْتَ حَيا ** ** ويَـبـقى ذُخْرُهُ لكَ إنْ ذَهَبتا
هُوَ العَضْبُ المُهنَّدُ ليسَ يَنبُو ** ** تُـصِيبُ بِهِ مَقاتلَ مَنْ ضَربتا
وكَـنـزٌ لا تخافُ عليهِ لِصاً ** ** خَفيفُ الحملِ يُوجدُ حيثُ كنتا
يَـزيـدُ بِـكَثرَةِ الإنفاق منهُ ** ** ويـنـقـصُ أن بهِ كفاً شَدَدْتا
فـلو قد ذُقْتَ من حلواه طَعماً ** ** لآثَـرْتَ الـتـعلُّمَ واجتهدتا
ولـمْ يَشغلكَ عنهُ هَوىً مُطاعٌ ** ** ولا دُنـيـا بِـزُخْـرُفِها فُتِنتا
ولا ألـهاكَ عنهُ أنيقُ رَوْضٍ ** ** ولا خِـدْرٌ بِـرَبْـرَبِـهِ كَلِفتا
فَـقوتُ الروحِ أرواحُ المعاني ** ** وليس بأنْ طَعِمتَ وأن شَرِبْتا
فـواظِـبـهُ وخـذ بالجدِّ فيهِ ** ** فـإنْ أعـطـاكَـهُ اللهُ أخذْتا
وإنْ أُوتـيـتَ فِيهِ طَويلَ باعٍ ** ** وقـال الـناسُ إنَّكَ قد سبقتا
فـلا تـأمـنْ سُؤالَ اللهِ عنهُ ** ** بتوبيخٍ : عَلِمتَ فهل عَمِلْتا ؟
فـرأسُ الـعِلمِ تَقوى اللهِ حقاً ** ** ولـيس بأن يُقال : لقد رأستا
وَضافي ثوبِكَ الإحسانُ لا أنْ ** ** تُـرى ثَوبَ الإساءةِ قد لَبِستا
إذا مـا لـم يُفِدْكَ العِلمُ خيراً ** ** فـخـيرٌ منهُ أن لو قد جَهِلتا
وإنْ ألـقَـاكَ فَهْمُكَ في مهاوٍ ** ** فـلـيـتكَ ثُمَّ ليتكَ ما فَهِمتا
ستجني من ثمار العجزِ جَهلاً ** ** وتَصْغُرُ في العيونِ إذا كَبِرتا
وتُـفـقَدُ إن جهِلتَ وأنتَ باقٍ ** ** وتُـوجَدُ إن عَلِمْتَ وقدْ فُقِدتا
وتَـذكـرُ قَولتي لكَ بعدَ حِينٍ ** ** وتَـغـبِـطها إذا عَنها شُغِلتا
لَـسوفَ تَعَضُّ من نَدَمٍ عليها ** ** ومـا تـغني الندامةُ إن نَدِمتا
إذا أبصرتَ صَحْبَكَ في سماءٍ ** ** قـد ارتفعوا عليك وقد سَفَلْتَا
فَـراجِعها ودَعْ عنك الهوينى ** ** فَـما بالبُطـءِ تُدرِكُ ما طَلَبتا
ولا تـحـفلْ بمالِكَ والهُ عنهُ ** ** فـلـيـسَ المالُ إلاّ ما عَلِمتا
وليسَ لِجاهلٍ في الناس مَعنىً ** ** ولـو مُـلكُ العراقِ لهُ تأّتَّى
سـينطقُ عنكَ عِلمكَ في نديٍ ** ** ويُـكتبُ عَنكَ يوما إنْ كتبتا
ومـا يُـغنيكَ تشييدُ المباني ** ** إذا بـالـجهل نَفْسَكَ قد هَدَمْتا
جَعَلْتَ المالَ فوقَ العِلمِ جهلاً ** ** لَـعَمْرُكَ في القضيةِ ما عَدَلْتَا
وبـيـنهما بِنَصِّ الوَحيِ بونٌ ** ** سَـتَـعلمُهُ إذا ( طه ) قَرأتا
لـئـن رفعَ الغنيُّ لواءَ مالٍ ** ** لأنـت لـواء عِلْمِكَ قد رفعتا
وإن جلسَ الغنيُّ على الحشايا ** ** لأنتَ على الكواكب قد جلستا
وإن ركـبَ الجِيادَ مُسَوَّماتٍ ** ** لأنـت مـناهِجَ التقوى ركبتا
وَمَـهما افتضَّ أبكار الغواني ** ** فكمْ بِكْرٍ منَ الِحكم افْتَضَضْتَا
ولـيـسَ يضرُّكَ الإقتارُ شيئاً ** ** إذا مـا أنـتَ ربَّكَ قدْ عَرَفْتَا
فـمـاذا عِندهُ لكَ مِنْ جميلٍ ** ** إذا بِـفِـنـاءِ طـاعَتِه أنختا
فقابلْ بالقبولِ صَحيْحَ نُصحي ** ** فإن أعرضتَ عنه فقد خَسِرتا
وإن راعـيـتَـهُ قولاً وفِعلاً ** ** وتـاجـرْتَ الإلـه بهِ رَبِحْتَا
فـلـيـستْ هذِهِ الدنيا بِشيءٍ ** ** تَـسُـوؤكَ حِـقْبَةً وتَسُرُّ وَقتا
وغـايَـتُـها إذا فكَّرْتَ فيها ** ** كَـفَيئِكَ أو كَحُلْمِكَ إن حَلَمْتا
سُـجِنْتَ بِها وأنتَ لها مُحِبٌ ** ** فـكـيفَ تُحِبُّ ما فيه سُجِنتا
وتُطعِمُكَ الطَّعامَ وعن قريبٍ ** ** سـتَطْعَمُ منك ما مِنها طَعِمْتا
وتَـعـرى إنْ لبِستَ لها ثِياباً ** ** وتُـكـسى إنْ ملابسها خَلَعْتا
وتـشـهـدُ كلَّ يومٍ دفنَ خِلٍ ** ** كـأنـكَ لا تُـراد بِما شَهِدتا
ولـمْ تُـخْلَق لِتَعْمُرَها ولكن ** ** لِـتَـعْـبُـرها فَجِدَّ لِما خُلِقتا
ولا تحزن على ما فات منها ** ** إذا مـا أنت في أُخراكَ فُزتا
فـلـيـس بنافعٍ ما نِلتَ فيها ** ** مِنَ الفاني ، إذا الباقي حُرِمتا
ولا تضحك مع السفهاءِ لَهواً ** ** فإنكَ سوفَ تبكي إن ضَحِكتا
وكيفَ لك السُّرورُ وأنتَ رَهْنٌ ** ** ولا تَـدري أَتُـفْدى أم غَلِقْتا
وسَـلْ من ربك التوفيق فيها ** ** وأخلصْ في السؤالِ إذا سألتا
ونـادِ إذا سـجدتَ لهُ اعترافاً ** ** بـمـا ناداهُ ذو النُّون بنُ مَتّى
ولازِم بـابَـهُ قـرعـاً عَسَاهُ ** ** سـيـفـتحُ بابَهُ لكَ إن قَرَعتا
وأَكْـثِرْ ذكرَهُ في الأرضِ دَأباً ** ** لِـتُـذْكَرَ في السماءِ إذا ذَكَرتا
ولا تـقـل الـصِّبا فيه مجالٌ ** ** وفـكـرْ كـمْ صغيرٍ قد دفنتا
وقُـلْ لي يا نَصيحُ لأنت أولى ** ** بِـنُصْحِكَ لو بِعقلكَ قد نَظَرتا
تُـقـطعني على التفريط لَوْماً ** ** وبـالـتفريط دهركَ قد قطعتا
وفـي صِغري تُخَوِّفني المنايا ** ** ومـا تجري بِبالك حين شِختا
وكـنتَ مع الصِّبا أهدى سبيلاً ** ** فـمـا لك بعدَ شيبكَ قد نُكِستا
وها أنا لم أخُضْ بحرَ الخطايا ** ** كـمـا قد خُضتَهُ حتى غَرِقتا
ولـم أشـربْ حُـمَـيا أم دَفرٍ ** ** وأنـت شـربتها حتى سَكِرتا
ولـم أحـلـلْ بـوادٍ فيه ظُلمٌ ** ** وأنـت حـلـلتَ فيه وانهملتا
ولـم أنـشـأْ بِعَصْرٍ فيه نَفعٌ ** ** وأنـتَ نـشأتَ فيه وما انتفعتا
وقـد صـاحبتَ أعلاماً كِباراً ** ** ولـم أرك اقتديت بمن صَحِبتا
ونـاداك الـكِـتابُ فلم تُجِبهُ ** ** ونـهْـنهَكَ المشيبُ فما انتبهتا
لَـيَـقبحُ بالفتى فِعل التصابي ** ** وأقـبـحُ مـنهُ شيخٌ قد تفتى
فـأنـت أحـقُّ بـالتفنيد مِني ** ** ولـو سكتَ المسيءُ لما نطقتا
ونَـفـسَـكَ ذُمّ لا تذممْ سِواها ** ** بِـعـيبٍ فهي أجدرُ مَنْ ذَممتا
فـلـو بكت الدِّما عيناك خوفاً ** ** لِـذنـبـكَ لم أقلْ لك قد أمِنتا
ومَـنْ لـكَ بالأمانِ وأنت عَبدٌ ** ** أُمِـرتَ فما ائتمرت ولا أطعتا
ثَقُلتَ من الذنوبِ ولست تَخشى ** ** لِـجـهلكَ أن تَخِفَّ إذا وُزِنتا
وتُشفقُ للمُصرِ على المعاصي ** ** وتَـرحَمُهُ ، ونفسكَ ما رحمتا
رجعتَ القهقرى وخَبطتَ عشوا ** ** لعمركَ لو وصلتَ لما رَجعتا !
ولـو وافـيتَ ربكَ دون ذنبٍ ** ** ونـاقـشكَ الحِسابَ إذا هَلِكتا
ولـم يـظلمك في عملٍ ولكن ** ** عـسـيـرٌ أن تقوم بما حملتا
ولو قد جئتَ يومَ الفَصْلِ فرداً ** ** وأبـصـرتَ المنازلَ فيه شتى
لأعْـظـمـتَ الندامةَ فيه لهفاً ** ** عـلى ما في حياتك قد أضعتا
تَـفِـرُّ مـن الـهجيرِ وتتقيه ** ** فـهـلاَّ عن جهنم قد فررتا ؟
ولـسـت تطيق أهونها عذاباً ** ** ولـو كـنـتَ الحديد بها لذُبتا
فـلا تـكـذبْ فإن الأمر جِدُّ ** ** ولـيس كما احتسبتَ ولا ظننتا
أبـا بـكـرٍ كشفت أقل عيبي ** ** وأكـثـرهُ ومُـعـظمهُ سَترتا
فقل ما شئت فيِّ من المخازي ** ** وضـاعِـفـها فإنك قد صَدقتا
ومـهـما عِبتني فلِفرْطِ عِلمي ** ** بـبـاطـنـتي كأنك قد مدحتا
فـلا ترضَ المعايبِ فهي عارٌ ** ** عـظـيمٌ يورثُ الإنسان مقتا
وتـهـوي بالوجيه مِن الثريا ** ** وتُـبْـدِلُـهُ مكان الفوق تحتا
كـما الطاعات تنعلك الدراري ** ** وتـجـعلك القريبَ وإن بَعُدتا
وتـنشر عنك في الدنيا جميلاً ** ** فـتُـلـفى البَرَّ فيها حيثُ كُنتا
وتـمـشي في مناكبها كريماً ** ** وتـجني الحمد مما قد غَرستا
وأنـتَ الآن لـم تُعرف بِعابٍ ** ** ولا دنـسـتَ ثـوبكَ مُذْ نَشأتا
ولا سـابـقتَ في ميدان زورٍ ** ** ولا أوضـعْـتَ فيهِ ولا خببتا
فـإن لـم تَـنأ عَنْهُ نَشِبْتَ فيه ** ** ومـن لك بالخلاص إذا نَشِبتا
ودَنَّـسَ مـا تَطهر منك حتى ** ** كـأنـك قـبل ذلك ما طهرتا
وصـرت أسيرَ ذَنْبِكَ في وَثاقٍ ** ** وكـيفَ لك الفكَاك وقد أُسِرتا
وخفْ أبناء جِنسكَ واخشَ منهم ** ** كما تخشى الضراغِمَ والسَّبتنى
وخـالـطـهم وزايلهم حِذاراً ** ** وكـنْ كـالـسامري إذا لَمستا
وإن جَـهِلوا عليك فقل سلاماً ** ** لـعـلك سوف تسلم إن فعَلتا
ومَـنْ لك بالسلامةِ في زمانٍ ** ** يـنـالُ العُصْمَ إلا إن عُصِمتا
ولا تـلـبـثْ بحيٍّ فيه ضَيْمٌ ** ** يُـمـيـتُ القلبَ إلا إن كُبِلتا
وغَـرِّبْ فـالـغريبُ له نَفاقٌ ** ** وشـرِّقْ إن بِـرِيقكَ قد شرقتا
ولـو فـوقَ الأميرِ تَكُونُ فِيها ** ** سُـمُـواً وافـتخاراً كنت أنتا
وإن فـرقـتها وخرجتَ مِنها ** ** إلـى دار الـسـلام فقد سَلِمتا
وإن كـرَّمـتها ونظرتَ منها ** ** بـإجـلالٍ فـنـفسكَ قد أهنتا
جـمعت لك النصائحَ فامتثلها ** ** حياتك ؛ فهي أفضل ما امتثلتا
وطـولـتُ العتابَ وزِدتُ فيهِ ** ** لأنـك فـي الـبطالةِ قد أطلتا
فـلا تأخذ بتقصيري وسَهوي ** ** وخـذْ بوصيتي لك إن رَشَدتا
وقـد أردَفـتـهـا ستاً حِساناً ** ** وكـانـت قـبلُ ذا مِئةٍ وستا